مشاركة مميزة

فهرس مقالات مدوّنة مصباح الهداية

الأربعاء، 26 أغسطس 2015

الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - (الحلقة الثّانية)

بسم الله الرحمن الرحيم
الموروث الروائي بين الحقيقة ووهم النقد العلمي - الحلقة الثانية

بحث حول حديث (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).

قال السيّد كمال الحيدري (1)(وتُنسبُ هذه الوثيقة إلى الصحابي عبد الله بن عمرو بن العاص، راوي الخبر التاريخي المزيَّف الذي منح الأمويين فرصةً عظيمة في تربية الأمة على الإسرائيليات، وهو عن حسَّان بن عطيّة، عن أبي كبشة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال: حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج).
وهنا قد حاد السيد عن الصواب، وجازف بتقديم نتائج سقيمة بلا أي دليل، فكان هذا الوهم من أعجب الأوهام التي تثير الاستغراب، والحديث هنا عن مسألتين:

المسألة الأولى: وهي اتّهام عبد الله بن عمرو بن العاص بوضع الحديث حيث قال إنَّه هو راوي هذا الخبر المزيّف، وهذا كلامٌ غير دقيق من وجهين:
الوجه الأوّل: أن الخبرَ رواه غيره من الصحابة، ومنهم:
1. أبو هريرة: فقد روى أحمد في مسنده (2): (حدثنا يحيى، عن محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: حدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج )، وقال المحقق شعيب الأرناؤوط: (صحيحٌ لغيره، وهذا إسنادٌ حسن).
2. أبو سعيد الخدري: روى أحمد في مسنده (3): (حدثنا عبد الصمد، حدثنا همام، حدثنا زيد، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  حدِّثوا عنِّي ولا تكذبوا عليَّ، ومن كذب عليَّ متعمداً فقد تبوأ مقعده من النار، وحدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)، قال المحقق شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح على شرط الشيخين)، والخبر مروي عند غير واحدٍ من الحُفَّاظ والمحدثين العامَّة بطرقٍ معتبرة.
فمن أين يجزمُ السيَّد الحيدري أن هذا الخبر إنَّما جاء موضوعاً من جهة عبد الله بن عمرو بن العاص، ولم لا يكون أبو هريرة أو غيره من وضعه؟! بل لو فرضنا أنّه موضوع فلم لا يُحتمل أنَّه موضوع على أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري أو عبد الله؟ وأين القرائن والأدلَّة على هذه المزاعم؟!
إنّ أوضح دليل على الخلل في المنهجيّة، هو تقديم مثل هذه الادّعاءات بشكل متكرر دون تقديم الأدلّة، فهل هذا هو التحقيق؟
الوجه الثاني: أن هذا الخبر قد روي من طرق رواة علوم أهل البيت (عليهم السلام):
1. روى الشيخ الكشّي بسند صحيح (4): (محمد بن مسعود، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسيّ، قال: حدثني الحسن بن علي الوشاء، عن محمد بن حمران، قال : حدثني زرارة، قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: حدّث عن بني إسرائيل ولا حرج ..).
2. روى الشيخ الصفار بسندٍ صحيح (5): (حدثنا يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن محمد بن حمران، قال: حدثنا زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: حدّث عن بني إسرائيل يا زرارة ولا حرج ..).
فهل هذا أيضاً مما وضعه عبد الله بن عمرو بن العاص؟! أم سيتوغّل السيد الحيدريّ في تقديم المزيد من الادّعاءات ليقول أنّه مما تسرب من عبد الله ورواة السنة إلى زرارة بلا أي دليل ولا برهان يُطمئن إليه؟!!

المسألة الثانية: وهي الحكم على الحديثِ بأنَّه موضوع، دون الالتفات إلى ما يُمكن أن يُحتَمل من معانٍ في حقّ هذا الحديث، وهنا يمكننا أن نذكر احتمالین في معناه:
الاحتمال الأوّل: أن يكون المقصود منه الدعوة إلى نقل أخبار وأحاديث بني إسرائيل من كتبهم بما فيها من الغثّ والسمين، والتحديث بها بين أوساط المسلمين، وهذا الاحتمال باطلٌ معارضٌ بالعديد من الأدلّة، منها:
الدليل الأوّل: أنَّ القرآن الكريم قد كذَّب أهل الكتاب وصرّح بأنهم يفترون على الله، قال تعالى (6): (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا)، فكيف يجوّزُ المعصوم (عليه السلام) النقل عنهم وفتح الباب على مصراعيه لورود أكاذيب اليهود والنصارى على المسلمين؟!
الدليل الثاني: ما أكّد عليه أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من انحصار العلم الصحيح بهم، وأنَّ الحق لا يصدر إلا عن مشكاة أهل بيت النبوة، فقد روى الشيخ الكليني بسنده عن الباقر (عليه السلام) قوله لسلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة (7): (شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلا شيئاً خرج من عندنا أهل البيت) فلا يُعقل أن يحثوا الآخرين على نقل العلوم الأخرى التي سقيمها غالبٌ على صحيحها، ومثل هذه الأخبار في غاية الاستفاضة.
الدليل الثالث: إنَّ أئمة أهل البيت عليهم السلام كانوا يتصدّون لمفتريات أهل الحديث من العامة ومن ضمنهم رواة الإسرائيليات، ويردّون على مفتريات اليهود من الإسرائيليات، فكيف يحثون المسلمين على رواية أخبار بني إسرائيل وهم أصلاً يعملون على مناقشة هذه الأخبار ونقضها وإبطالها؟! ومستند هذا الدليل معلومٌ لمن تصفَّح أخبارنا ورواياتنا، وبعداً عن عدم تقديم الدليل، وتجنباً للإطالة أذكر بعض النماذج اليسيرة التي تبيّن هذه الحالة التي وصفناها.
1. روى الكليني بسنده عن الرضا (عليه السلام) (8): (أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: سألني أبو قرة المحدِّث أن أدخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام، حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد، فقال أبو قرة: إنا رُوِّينا أن الله قسَّم الرؤية والكلام بين نبيين، فقسّم الكلام لموسى ولمحمّد الرؤية .. إلخ) وذكر نقض الرضا (عليه السلام) لهذه الرواية.
2. روى الكليني بسنده عن الكاظم (عليه السلام) (9): (محمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن عباس الجراذيني، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم عليه السلام، قال: ذُكِرَ عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا. فقال: إن الله لا ينزل ولا يحتاج إلى أن ينزل ... إلخ).
3. روى الكليني بسنده عن أبي حمزة الثمالي (10): (رأيت علي بن الحسين (عليهما السلام) قاعداً واضعاً إحدى رجليه على فخذه. فقلت: إن الناس يكرهون هذه الجلسة ويقولون: إنها جلسة الرب، فقال: إني إنما جلست هذه الجلسة للملالة والرب لا يمل ولا تأخذه سنة ولا نوم).
4. وروى بسنده عن داود الرقي (11): (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل: «وكان عرشه على الماء»، فقال: ما يقولون؟ قلت: يقولون: إن العرش كان على الماء والرب فوقه. فقال : كذبوا، من زعم هذا فقد صيَّر الله محمولاً ...إلخ).
5. وروى بسنده عن زرارة (12): (كنت قاعداً إلى جنب أبي جعفر (عليه السلام) وهو محتبٍ مستقبل الكعبة، فقال: «أما إن النظر إليها عبادة»، فجاءه رجل من بجيلة يقال له: عاصم بن عمر فقال لأبي جعفر (عليه السلام): إن كعب الأحبار كان يقول: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة، فقال أبو جعفر (عليه السلام): فما تقول فيما قال كعب؟ فقال: صدق، القول ما قال كعب. فقال أبو جعفر (عليه السلام): كذبت وكذب كعب الأحبار معك. وغَضِبَ..إلخ).
فهذه النماذج التي أوردناها من الروايات مشيرةٌ إلى منهج الأئمة (عليهم السلام) في محاربة الإسرائيليات وأكاذيب أهل الكتاب، فكيف يمكن أن يُحمل قولهم (حدّث عن بني إسرائيل) على نقل أخبارهم ورواياتهم التي لا تحتوي غالباً إلا على ما هو باطل وفاسد ومناقض للقرآن والعقل القطعيّ؟!
ويمكن أن يُستدلّ للعامة في نفي هذا الاحتمال، بما رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديثٍ معتبر (13)، قال: (حدثنا هشيم، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر:  أن عمر بن الخطاب، أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقال: يا رسول الله، إني أصبت كتاباً حسناً من بعض أهل الكتاب، قال: فغضب وقال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، فوالذي نفسي بيده، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني») فهذا يعني أنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يدعو لمحاربة الكتب الإسرائيلية، ويمنع من انتشار أكاذيبها بين المسلمين، لا سيّما أنهم حديثو عهدٍ بالإسلام، بل كان هذا منهج بعض الصحابة كابن عباس، فقد روى البخاري عنه (14): (يا معشر المسلمين، كيف تسألون أهل الكتاب، وكتابكم الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله، تقرؤونه لم يُشَبْ، وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب بدلوا ما كتب الله وغيروا بأيديهم الكتاب، فقالوا: «هو من عند الله»؛ ليشتروا به ثمناً قليلاً، أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسايلتهم، ولا والله ما رأينا منهم رجلاً قط يسألكم عن الذي أنزل عليكم)، وقد روى الحافظ الدارمي في مُسنده عن ابن مسعود، قال (15): (أخبرنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا أبو زبيد، حدثنا حصين، عن مرة الهمداني، قال: جاء أبو قرة الكندي بكتاب من الشام، فحمله فدفعه إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فنظر فيه فدعا بطست، ثم دعا بماء فمرسه فيه، وقال: «إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم الكتب وتركهم كتابهم» قال: حصين فقال مرة: أما إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب)، قال المحقق حسين سليم أسد: (إسناده صحيح).
وبهذا يتضح أن هذا الاحتمال ساقط ولا يمكن التعويل عليه. نعم، قد حاول بعض علماء العامة الاستدلال به على جواز رواية حديث أهل الكتاب -على تفصيلٍ عندهم-، وفيما تقدَّم كفاية لإبطال ما زعموه.

الاحتمال الثاني: وهو أن يكون المراد من الحديث (حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) أي تكلموا عن بني إسرائيل وقصصهم لما في ذلك من العظة، وقد يكون مصدر التحديث إما الكتب والروايات الإسرائيلية وهذا ممنوع بما ذكرناه آنفاً، وإمّا القرآن والسنة النبوية المعتبرة وهو المُراد، وبهذا يكون المعنى: حدثوا الناس عن بني إسرائيل بما جاء من الحق من قَصصٍ، وهذا الوجه موافق للمنهج القرآني، حيث أكثر القرآنُ الكريم من القصص والحديث عن أخبار بني إسرائيل بشكل واضح، وبهذا يظهر أن هذا الحديث هو لدعوة لتوجيه الناس للتحدث عن بني إسرائيل وقصصهم وأخبارهم لما فيها من العبرة والعظة والدليل في العديد من المسائل، وإننا نجد في البحث العقائدي مثلاً استدلالات متعددة بقصص بني إسرائيل في أبحاث الإمامة والخلافة والغيبة والعصمة والرجعة وما سيكون في هذه الأمة من الابتلاء نظير ابتلاءات بني إسرائيل ..إلخ، بل قد تواترت الأخبار أنّ هذه الأمة تسير مسار بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، وفي معرفة فتن وابتلاءات وانحرافات بني إسرائيل فوائد كثيرة على المستوى العقائدي والإيماني، وهذا التوجيه يتناغم مع فلسفة القرآن الكريم في تعاطيه مع قضايا بني إسرائيل، إذ لا يمكن أن يُكثر منها حاشداً الفوائد والعظات في مقابل إهمال ذلك عملياً من قبل المسلمين، فكثرة الكمّ النظري لا بُدَّ أن يقابلها كثرة عملية في أوساط المسلمين، لتتم الاستفادة من القرآن الكريم بأتم وجه. وهذا التفسير ليس بمستهجنٍ في اللغة، فيقال مثلاً: (حدثت أبي عن طلاب المدرسة) أي أخبرته عنهم وعن أحوالهم وأمورهم وما يتعلق بهم، ولهذا حمل التحديث على الحكاية عنهم لا الرواية عن كتبهم صحيح موافق للّسان العربي.
ويؤيد هذا كله، ما رواه الشيخ الصدوق بسنده (16): (عن عبد الأعلى بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك حديث يرويه الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حدث عن بني إسرائيل ولا حرج. قال: نعم، قلت: فنحدث عن بني إسرائيل بما سمعناه ولا حرج علينا؟ قال: أما سمعت ما قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ؟ فقلت : فكيف هذا ؟ قال : ما كان في الكتاب أنه كان في بني إسرائيل فحدث أنه كائن في هذه الأمة ولا حرج).
فالإمام الصادق (عليه السلام) في هذه الرواية يطرحُ مطلباً دقيقاً، من حيث الحكم بجواز الحديث عن بني إسرائيل، ولكن ليس بكل ما يسمعه المرء لئلا يختلط المكذوب بما جاء من الحق، فالإمام (عليه السلام) يؤسس لمنهج الفصل بين ما هو مجعول وبين ما هو صحيح مقطوع بكونه من الحق تعالى، ولهذا قال لصاحبه: (أما سمعت ما قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؟)، ثم يوضح الإمام مصادر التحديث عن بني إسرائيل، فيقول: (ما كان في الكتاب أنَّه كان في بني إسرائيل فحدّث أنه كائن)؛ لأن القرآن الكريم مليءٌ بالقصص القرآني المقطوع بصحته عن بني إسرائيل، ومحتوٍ على مضامين ونكات كثيرة يمكن الاستفادة منها في أبحاث معرفيّة وغير ذلك، وقد قال بذلك بعض علماء العامّة، فقد قال الحافظ ابن حبَّان (17): (وقوله صلى الله عليه وسلم: «وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» أمرُ إباحةٍ لهذا الفعل من غير ارتكاب إثمٍ يستعمله، يريد به: حدّثوا عن بني إسرائيل ما في الكتاب والسنة من غير حرجٍ يلزمكم فيه).
وهذا هو الوجه الصحيح في فهم هذا الحديث، وإذا كان للحديث وجهٌ صحيحٌ فكيف يُصار إلى رميه بالوضع؟ فكيف إذا كان هذا الوجهُ راجحاً مؤيّداً بالشواهد القرآنيّة والروائيّة؟! ولهذا فإن التسرّع برمي الحديث بالوضع نابعٌ من قلة تتبع منابعه وطرقه، وعدم تأمل مضامينه ومعانيه المحتملة، وأنى لحديثٍ أن يُحكم عليه بالوضع ولا دليل يدلُّ على ذلك إلا احتمال واحد في تفسير معناه، وهذا الاحتمال فاسد وقد تقدّم إبطاله، وإنما يُقطع بجعل الحديث إذا لم يبقَ أي احتمال مقبول في تفسيره مع وجود قرائن مشيرة إلى حصول الوضع، وإلا فرمي الأحاديث بالوضع بهذه الصورة عبثٌ محض كاشفٌ عن قلّة التتبع والتأمُّل، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا عن أهل التحقيق والمعرفة، فإذا كان السيّد الحيدري قد قدّم نفسه منقحاً للتراث، مصححاً للمفاهيم التراثية والفكرية فلا بُدَّ أن يُقدِّم أدلةً صحيحة معتبرة، لا أن يوزع الادّعاءات بلا براهين توضّح مدى صحتها، فإنَّ التراث الإسلامي الذي ورثناه عن أهل البيت (عليهم السلام) ليس من السهل أن يتم إسقاطه بهذه العبثيّة؛ لأننا نرى أن تراثنا بحرٌ زاخرٌ بالكنوز المعرفيّة، ولا يمكننا التساهل بإسقاط رواية منه بلا دليل ولا برهانٍ صحيح. نعم، لا نقول إن تراثنا خالٍ تماماً من المرويات غير المقبولة بل نقول إنّ فيه روايات مرفوضة، ولكننا لا نقبلها وفقاً للأدلة الصحيحة والبراهين السليمة، وفي هذا المقام، نطالب بالتحقيق الجدّي والعلمي في مسائل التراث بإظهار الأدلة والبراهين المعتبرة لا بالاكتفاء بتقديم التُهم والادعاءات، والله الموفق والهادي إلى الصراط المستقيم.

إبراهيم جواد
قم المقدَّسة (زادها اللهُ شرفاً).
الأربعاء، 10 ذو القعدة 1436 هـ / 26 أغسطس 2015.

--------------
(1) الموروث الروائي بين النشأة والتأثير، ص 27.
قد يُقال: (إنّ السيد يقصد أنَّ الخبر موضوع، ولعله لا يقصد أنَّ عبد الله واضعه) ويُقال في الجواب: إن نعته لعبد الله بأنه هو راوي الخبر المزيف، يلزم منه أن يكون هو من وضعه، وإلا لو كان موضوعاً على عبد الله لما جاز أن يقول عنه بأنه راويه لأنه بريء منه بل هو منحولٌ عليه، فتأمّل.
(2) مسند أحمد، ج16، ص 125، رقم الحديث 10130، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، سنة النشر: 1429هـ/2008م.
(3) مسند أحمد، ج18، ص19، رقم الحديث 11424.
(4) رجال الكشي، ص 235، رقم الرواية 260، تحقيق: محمد تقي فاضل الميبدي وأبو الفضل موسويان، الناشر: وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي - مؤسسة الطباعة والنشر، طهران، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1382 هـ.ش.
(5) بصائر الدرجات، ج1، ص 519-520، رقم الحديث 852، تحقيق: محمّد كاظم المحموديّ، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي التابع للحوزة العلميّة - فرع أصفهان، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1439هـ/2017م.
(6) سورة البقرة، الآية 79.
(7) الكافي، ج2، ص 328، رقم الحديث 1049، كتاب الحجّة، باب أنه ليس شيء من الحقّ في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة عليهم السلام وأنّ كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل، ح3، تحقيق ونشر: مؤسسة دار الحديث - قم المقدسة، الطبعة الثالثة، سنة النشر: 1434هـ/1392هـ.ش.
(8) المصدر السابق، ج1، ص 238، رقم الحديث 262، كتاب التوحيد، بابٌ في إبطال الرؤية، ح2.
(9) المصدر السابق، ج1، ص 310 -311، رقم الحديث 328، كتاب التوحيد، باب الحركة والانتقال، ح1.
(10) المصدر السابق، ج4، ص 741، رقم الحديث 3723، كتاب العِشرة، باب الجلوس، ح2.
(11) المصدر السابق، ج1، ص 325، رقم الحديث 345، كتاب التوحيد، باب العرش والكرسيّ، ح7.
(12) المصدر السابق، ج8، ص 146-147، رقم الحديث 6835، كتاب الحجّ، باب فضل النظر إلى الكعبة، ح1.
(13) مصنف ابن أبي شيبة، ج13، ص 458-459، رقم الحديث 26949، تحقيق: محمد عوامة، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية - جدّة، الطبعة: الأولى، سنة النشر: 1427هـ/2006م. وقد حسّن الحديث الشيخ الألباني في كتابه: إرواء الغليل، ج6، ص34-38، رقم الحديث 1589.
(14) صحيح البخاري، ج3، ص529-530، رقم الحديث 2702، كتاب الشهادات، باب لا يُسأل أهل الشرك عن الشهادة وغيرها.
(15) مُسند الدارميّ، ج1، ص383، رقم الحديث 492، كتاب العلم، باب من لم يرَ كتابة الحديث.
(16) معاني الأخبار، ص 261، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، الطبعة: السادسة، سنة النشر: 1431 هـ.
(17) صحيح ابن حبان، ج14، ص 149-150، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة- بيروت، الطبعة: الثانية،  سنة النشر: 1993م.